الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

رحلة إلي الهند


رحلة إلي الهند


في الهند في استطاعتك أن تستغني عن أذنيك. فكل الذي تسمعه لا معني له. فهم يتكلمون لغات كثيرة ولهجات كثيرة جداً. حتى اللغة الإنجليزية وهي إحدى اللغات الرسمية في الهند , لهم طريقة خاصة في نطقها فتصبح لغة أخرى ويصعب عليك فهمها.

أما عن عينيك فإنك تري أشكال وألون لم تكن تخطر لك علي بال.. فالوجوه غريبة جداً وستلمح علي الأقل في إي جهة تتجه إليها عشرين شخصاً فيهم شبه كبير جداً من غاندي وقد تتصور إن هؤلاء الناس أقارب لغاندي. وبعد ذلك تعرف أنه ليس من الضروري أن يكون الأقارب متشابهين إلي هذه الدرجة ثم ستدرك انك في الهند بلاد الديانات والخرفات والملايين والأمراض والفقر والزهد والتسامح وغاندي والماعز والبقرة.

وفي وسط الزحام رحت أتساند علي أجساد الناس بعيني حتى لا أقع في دوامة الألوان ودوامة الروائح الغريبة التي لا تعجبك أبداً. إنها بحر بالإضافة إلي بحر المطر وبحر الرطوبة وبحر الناس أيضا.

ولكني لم أعرف ما مصدر هذه الروائح هل هي أطعمة أو بخور أو جثث موتي أو عرق أو أي شيئاً آخر لم أعرف,ولكن في النهاية عرفت أنه يوجد في الهند أعشاب وأطعمة وأبخرة تتصاعد من الأرض ومن الحقول ومن البيوت والدكاكين , ومن الأجسام الحية والأجسام الميتة التي تحرم بعض الديانات الهندية دفنها ,وإنما تتركها للنسور أو ربما من الأجسام التي أحرقها أهلها بالزيت والدهن.

ثم بعد ذلك اقترب مني جرسون فطلبة منه ان يحقق لي هذه الامنيتة الغالية كوب من الشاي الساخن فابتسم هذا الجرسون من كلامي وتذكرت ان الشاي عند الهنود مثل الفول في مصر والسمك في اليابان والنبيذ في ايطاليا متوفر جداً ولا يحتاج الي كل هذه الامنيات ,وصرحت الجرسون الهندي فضحك وقد فهمت فيما بعد ان ابتسامة هذا الجرسون ,تعتبر نوعاً من القهقهة بالنسبة للهنود الذين لا يضحكون عادة.

وعندما خرجت في الشوارع رأيت علي الارض بقعاً من الدم وعندما أطلت النظر إليها لم تكن دماً..وانما لونها اقرب الي الدم البنفسجي قليلاً وعرفت إنه نوع من اللبان يمضغه الناس جميعاً ثم يبصقونه علي الأرض. وبائع اللبان يعرضه ويبيعه بصور بدائية وهو جالس علي الأرض – ولا عجب – فإن معظم الناس هنا اقرب الي الارض وفي الليل تجد مئات الألوف نياماً علي الارض. دون ان يفصل بين اجسامهم وبين الارض شوال أو سجادة أو حتي مخدة.

أما عن السيدات فهن اميل الي السمنة وتضع كل واحدة نقطة حمراء من اسفل الجبة تدل علي انها متزوجة وشعرها اسود جداً , والمرأة الهندية يجب أن تستر كتفها وساقيها أما عدا ذلك فليس عورة. فهي مثلاً ممكن أن تكشف بطنها ويكون واضحاً تحت الثياب الهندي الذي هو قطعة واحدة من القماش الحريري. قطعة واحدة.. ولا نعرف كيف تلفها حول نفسها.

اما الهنود فهم أناس طيبون جداً وفي غاية الهدوء. وحبهم للسلام قائم علي شعور عميق. وكراهية الهنود لإسالة الدماء تنبع من أعمق أديانهم وتاريخهم. فالزهد هو العنصر المشترك في كل الديانات الهندية. ففي الهند أناس لا يأكلون اللحوم ولا المواد المستخرجة من الحيوانات فلا يشربون اللبن ولا يأكلون الزبد ولا الجبن , ولا يأكلون البيض , ولا السمك ولا يذبحون الابقار لان البقرة مقدسة وهي رمز الحياة والخصوبة. وهي حيوان سعيد في الهند. وسعادة البقرة واضحة في دلالها ودلعها في الشوارع. في أحسن الشوارع. وفي دخولها أحسن المحلات دون أن يمسها أي إنسان.


أما الثور فعلي الرغم من ان امه بقرة وجدته بقرة و
ابنته بقرة ايضاً إلا أنه ليس محترماً. وتنطبق عليه أقسي أنواع القوانين والعقوبات.فهو منبوذ يجر العربات ويحرث الأرض ويضربه الفلاحون علي قفاه ليل نهار. واليد التي تضربه علي قفاه هي نفس اليد التي ترتفع بالتحية لأمه أو جدته أو حفيدته!

ولم ألاحظ أن هناك أية تفرقة جنسية عند الهنود غير هذه التفرقة بين الثور والبقرة!
ومن طبيعة الهنود إيضاَ الهدوء وعدم الشجار فلم أر اثنين قد أمسك واحد منهما في خناق الآخر لأتفه الاسباب كما يحدث في اسبانيا وايطاليا واليونان وتركيا مثلاً!   

ومن عادات الهنود ايضاً انهم يضعون الشطة أو الفلفل علي كل طعام وشراب.حتي الحلويات كالسكر والجاتو مثلاً.ومن حبهم للشطة والفلفل وكل التوابل استدرجهم في الخوض الي حروب دامية مع الاوروبيين.
وفي الهند يوجد طفيليات كثيرة ومن كثرتها أخشي أن أحلق لحيتي فيسيل دمي فأصيب. لذلك أدركت حكمة إطالة الليحية في الهند,ولاحظت في الصحف الهندية انه لا يوجد إعلان واحد عن امواس الحلاقة ولا عن الصابون واستنتجت من ذلك أن هناك أمواساً أخري ونوعاً من الصابون يصنعونها في البيوت أو ربما كانوا يلجأون إلي استخدام بودرة نباتية تزيل شعر الوجه واللحية والشارب احياناً. ووجدت هذا النوع من البودرة وفضلت ان استخدمها بدلاً من الامواس ولكن خشيت ان تكون لهذه البودرة آثار مؤذية لا أعرفها.
وفي أحدى الأيام وأنا في غرفتي احضر لي الجرسون أكواب الشاي والبسكوت والمربي والبيض واللبن والزبدة والجبن,ونظرات لا أنساها من عيون الجرسونات..فيها كثير من النقد وفيها الكثير من الإشفاق. وفيها أكثر من ذلك : خوف من هذا المتوحش الذي يأكل كل هذه الممنوعات دون أن تنطبق السماء علي الارض. أين عدالة السماء؟ أين رحمة الأبقار؟أين غضب الآلهة؟ كيف تسكت عل أجنبي مثلي يأكل  البيض ولا تنهد الدنيا ,ويشرب اللبن ولا تزحف مياه المحيط فتغرق الهند من أجل هذه الخطيئة التي يرتكبها بنظام ثلاث مرات في اليوم!
وبشعور من يريد أن أؤكد لهذا الجر سون المسكين أن هذه ليست مخالفات لقانون السماء ,كنت آكل البيض وأشرب اللبن في حضوره؟ فلا السماء وقعت, ولا هو اقتنع!
وهذا كان أول ما رأيته في الهند العظيمة بسكانها الذي يتراوح عددهم إلي 500 مليون هندي!.
أنيس منصور
إعداد : يوسف راضى 


هذا المقال خاص بموقع info  مشكل ......... معلومات مفيدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق